الجهاز المركزى للمحاسبات جهاز حكومى .. وليس منظمة حقوقية .. أو حزب معارض .. ولكن لأن الفساد عم البلاد والعباد .. أصبحت تقارير الجهاز بخصوص الفساد الحكومى تشبه الى حد بعيد تقارير المنظمات الدولية التى تعنى بمحاربة الفساد كمنظمة الشفافية الدولية مثلا ..
دعونا نرى ماجاء فى هذا المقال لمصطفى بكرى فى جريدة الاسبوع :
كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات حول قرارات العلاج علي نفقة الدولة عن تجاوزات صارخة ارتكبها رئيس مجلس الوزراء، جنبًا إلي جنب مع عدد من أعضاء مجلسي الشعب والشوري حيث تعلقت هذه التجاوزات بإساءة استخدام هذه القرارات مما نجم عنه إهدار..
للمال العام وزيادة التكلفة الإجمالية المنصرفة والتي وصلت إلي نحو أربعة مليارات جنيه قيمة قرارات العلاج بالداخل وأكثر من ٠٢ مليون جنيه قيمة قرارات العلاج بالخارج في الفترة من ١/١/٩٠٠٢ حتي ١٣/٢١/٩٠٠٢.
وأكد التقرير أن رئيس مجلس الوزراء كان قد أصدر قرارات علاج علي نفقة الدولة في غير المجالات المخصصة لها حيث صدرت قرارات بمبالغ كبيرة لإجراء عمليات التجميل والعلاج الطبيعي بالحمام المائي وجلسات المساج والأوزون وتبييض الأسنان وزرع الشعر.
وأشار التقرير إلي أن مثل هذه القرارات صدرت لأشخاص بأعينهم - علي غير اللوائح والقوانين وهو أمر يمثل تجاوزًا خطيرًا ومحاباة للبعض علي حساب قرارات العلاج المخصصة لعلاج الفقراء من المواطنين.
وانتقد التقرير صدور قرارات جماعية لعلاج العاملين بمجلس الوزراء، بالرغم من وجود صندوق للخدمات الطبية بالمجلس، وهو أمر يمثل خصمًا من الاعتمادات المخصصة لعلاج المواطنين وصل جملة ما تم حصره منها حوالي أربعة ملايين جنيه.
وأشار التقرير إلي أن صرف هذه المبالغ تم بدون مطالبة أصحابها بتقديم المستندات المؤيدة للصرف، مما يطرح علامات استفهام كثيرة حول كيفية صرف هذه المبالغ التي تتم بقرارات مباشرة من رئيس مجلس الوزراء.
وشكك تقرير الجهاز المركزي في صرف بعض المبالغ المخصصة لعلاج حالات مرضية محددة صادر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء .. حيث أكد انه يتم استخدام جانب كبير من قرارات العلاج لبعض الحالات المرضية بالمستشفيات الاستثمارية والخاصة وبنسبة تصل إلي ٧٩٪ في بعض الحالات في صرف أدوية فقط، مما ينتفي معه الغرض من صدور قرارات العلاج علي هذه المستشفيات.
وأكد التقرير قيام الجهات المعنية بصرف المبالغ الواردة ببعض قرارات العلاج الصادرة من رئيس الوزراء بشيك باسم المريض الصادر بشأنه قرار العلاج بعد تقديم فواتير شراء أذون من الصيدليات الخاصة، مما ترتب عليه عدم إحكام الرقابة علي تنفيذ تلك القرارات.
وانتقد التقرير صدور قرارات علاج بالداخل علي بعض المستشفيات الاستثمارية والخاصة بتكاليف علاج عالية القيمة، وذلك علي الرغم من توافر تلك الخدمات الصحية المقدمة لهم بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة بتكاليف أقل، وهو الأمر الذي أدي إلي تحميل موازنة الدولة فروق أسعار كان من الممكن تجنبها!!
وأشار التقرير إلي وجود تجاوزات خطيرة فيما يتعلق بتعديل جهة العلاج بالداخل والصادرة لمستشفيات حكومية وجامعية إلي مستشفيات استثمارية وخاصة دون الحصول علي موافقة رئيس مجلس الوزراء حيث يتم التعديل من هيئة المستشارين بمجلس الوزراء مع عدم إرفاق أية موافقات من رئيس مجلس الوزراء علي هذا التعديل.
وأشار التقرير في هذا الصدد إلي عدم إعداد أية بيانات أو دراسات قبل إصدار قرارات العلاج علي نفقة الدولة، الأمر الذي أدي إلي زيادة نفقات العلاج بنسب وصلت في بعض الأحيان إلي ٠٠١٪ من قيمة القرار الأصلي.
وأكد التقرير أن التكلفة الإجمالية للمبالغ المنصرفة علي قرارات العلاج علي نفقة الدولة بالخارج خلال المدة من ١/٧/٧٠٠٢ إلي ٥١/٢/٠١٠٢ بلغت أكثر من ٠٦ مليون جنيه منها أكثر من ٧٤ مليون جنيه تخص قرارات علاج بالخارج صادرة من رئيس مجلس الوزراء ونحو ٣١ مليون جنيه تخص وزير الصحة.
وقال التقرير إنه ثبت بالمستندات وجود مغالاة في تكاليف السفر بالدرجة الأولي بالطائرة لبعض الصادر لهم قرارات علاج بالخارج مقارنة بذات الدرجة وذات خط السير، ومعاملة بعض المرضي معاملة الوزراء من حيث السفر بالدرجة الأولي وتحميل الموازنة قيمة بدل السفر وتذاكر الطيران بخلاف المعتمد بقرار العلاج دون الوقوف علي اسباب ذلك.
وانتقد التقرير عدم عرض مستندات العلاج بالخارج الواردة من المكاتب الطبية بالخارج علي أي لجان طبية بالداخل وذلك لإمكانية التحقق من مدي ارتباطها بالمرض الصادر بشأنه قرار العلاج.
وأشار التقرير إلي عدم ورود المستندات المؤيدة لصرف مبالغ وصلت إلي نحو اكثر من 10ملايين جنيه من المكاتب الطبية بالخارج.
أما بالنسبة لتجاوزات بعض اعضاء مجلسي الشعب والشوري فقد اشار التقرير إلي عدم الالتزام بالضوابط والإجراءات الخاصة بصدور قرارات العلاج علي نفقة الدولة لصدورها بدون تقارير طبية ثلاثية لعدم اشتمال بعض الملفات الطبية علي تقارير اللجان الثلاث التي تصدر من جهات العلاج التي تقوم بتشخيص الحالة المرضية.
وأكد التقرير عدم الالتزام بالقيمة المحددة لتكاليف العلاج، وذلك لتجاوز قيمته الواجبة والمحاسبة عليها في بعض الحالات بفئات مغالي فيها مما ترتب عليه تحميل بند علاج المواطنين بأعباء مالية دون مقتضي.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج عبر بعض النواب بتكاليف متباينة نظرا لاختلاف جهات العلاج الحكومية والخاصة علي الرغم من تشابه تشخيص الحالات المرضية الصادرة في شأنها تلك القرارات الأمر الذي يشير إلي عدم الالتزام بضوابط تلك القرارات.
وأشار تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إلي قيام المجالس الطبية المتخصصة بإصدار العديد من قرارات العلاج التي تتم لمعالجة أمراض العيون مثل زرع العدسات وترقيع القرنية وإصلاح الحول وذلك بالمراكز الطبية بالمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة وبتكاليف أقل، مما أدي إلي تحميل موازنة الصحة مبالغ دون مقتضي.
وأكد التقرير قيام المجالس الطبية المتخصصة بالموافقة علي طلبات تعديل جهات العلاج لقرارات العلاج السابق صدورها بمستشفيات ومعاهد حكومية التي تتم المحاسبة فيها طبقًا لأسعار بروتوكول المجالس الطبية إلي مستشفيات خاصة دون بيان أسباب ومبررات التعديل، الأمر الذي أسهم في زيادة تكاليف العلاج بالداخل.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج علي نفقة الدولة لتصحيح الإبصار 'بالليزك' والتي لم ترد ضمن بنود البروتوكول الخاص بالمجالس الطبية المتخصصة بتكلفة تتراوح بين ثلاثة آلاف جنيه واثني عشر ألف جنيه للحالة الواحدة مما أدي إلي تحمل بند العلاج علي نفقة الدولة بأعباء مالية دون مبرر.
وأكد التقرير قيام المجالس الطبية المتخصصة خلال شهر فبراير 2010 بإلغاء العديد من قرارات العلاج بلغ ما أمكن حصره منها مبلغ 1738102 جنيه ويرجع تاريخ صدور تلك القرارات إلي أعوام 2007 ، 2008 ، 2009 دون الوقوف علي أسباب ذلك في هذا التوقيت، ودون بيان أسباب عدم استفادة المرضي الصادرة لهم تلك القرارات من الخدمة الطبية.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج علي نفقة الدولة لبعض الشركات الخاصة لتركيب سماعات أذن ومستلزمات صوتية علي الرغم من توافر تلك الخدمات بمعهد السمع والكلام التابع للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية.
وأكد التقرير قيام الوزارة بصرف قيمة قرار العلاج بشيك مسحوب باسم الحالة المرضية بعد تقديم فواتير شراء الأدوية الأمر الذي ترتب عليه عدم إحكام الرقابة علي تنفيذ تلك القرارات.
وأشار التقرير إلي التفاوت في قيمة قرارات العلاج الصادرة لشراء أجهزة تعويضية علي الرغم من تماثلها نظرًا لاختلاف جهات العلاج الصادرة بشأنها تلك القرارات دون بيان أسباب ذلك.
وأكد التقرير قيام جهات العلاج الحكومية بمحاسبة مرضي العلاج علي نفقة الدولة بقيمة الدواء مسعرًا بسعر البيع وليس بسعر الشراء تطبيقًا لقرار السيد الدكتور وزير الصحة رقم 267 لسنة 2004 وتخصيص نسبة 7٪ من سعر البيع خصمًا من الفرق المحقق بين سعري الشراء والبيع للدواء تصرف كجهود غير عادية للعاملين في مجال العلاج علي نفقة الدولة بالمخالفة لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 87 لسنة 2005 الذي يقضي بأنه 'لا يجوز تخصيص مورد معين لمواجهة مصروف محدد إلا في الأحوال الضرورية التي تستلزم إصدار قرار جمهوري' كما أن محاسبة المريض علي هذا الأساس تؤدي إلي سرعة استنفاد مبلغ العلاج المخصص له.
وأشار التقرير إلي قيام المجالس الطبية المتخصصة بإصدار قرارات علاج بناء علي تأشيرات أحد مسئولي المجالس بمبالغ اجمالية قدرها ٥٠٤،١٩٠،١ جنيهات خلال أربعة أشهر فقط من 2009/9/1 إلي 2009/12/31 فضلا عن حصول صاحب هذه التأشيرات علي عدة قرارات علاج علي نفقة الدولة لعلاجه بالمراكز والمستشفيات الخاصة بلغت قيمتها 42000 جنيه دون وجه حق لتمتعه بمظلة علاجية بالإضافة إلي عدم وجود الملفات الخاصة بتلك القرارات بأرشيف الوزارة أثناء الفحص.
فاسدون فوق القانون
يكشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن وقائع خطيرة تستحق المحاسبة والعقاب، وهذه الوقائع التي تضمنها هذا التقرير الهام لم تأت علي لسان صحفي أو نائب أو مسئول معارض، بل جاءت علي لسان لجنة تم تشكيلها من الجهاز المركزي للمحاسبات في أعقاب الكشف عن فضيحة قرارات العلاج علي نفقة الدولة.
وقد أشار هذا التقرير بشكل واضح إلي قرارات صادرة عن رئيس مجلس الوزراء لإجراء عمليات تجميل وعلاج طبيعي مائي وتبييض أسنان وزرع شعر وتخسيس، وكلها أمور لا يتضمنها بروتوكول العلاج علي نفقة الدولة.. نريد أن نعرف من هم هؤلاء المحظوظون الذين وظفوا قرارات العلاج المخصصة لعلاج المرضي من الفقراء لصالح رفاهيتهم، وكيف يوافق رئيس الوزراء علي اصدار قرارات مخالفة للوائح والقوانين؟
ويكشف التقرير عن فوضي صارخة في الحساب والمحاسبة، قرارات تصدر بالملايين دون فواتير تقدم أو معرفة لنواحي الصرف، وكأن المال العام أصبح مالاً خاصًا يتصرفون فيه كيفما يشاءون ودون رقيب أو مراقبة!!
وإذا ما انتقلنا إلي تجاوزات عدد من نواب مجلسي الشعب والشوري فإن الأمر لا يخلو من الدهشة والاستفزاز، فالوقائع صارخة وكارثية، وقد وضع الجهاز المركزي يده علي كمية كبيرة من المستندات التي تحيل أصحابها إلي المحاكمة الجنائية فورًا.
إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا أنتم فاعلون؟ وإلي متي الصمت علي هذه الوقائع؟ وهل سيشهد مجلس الشعب مناقشة لتقرير الجهاز المركزي وتقريري الرقابة الإدارية والأموال العامة، أم أن الأمر سيجري التكتم عليه حتي تنتهي الدورة البرلمانية الأخيرة ولا من شاف ولا من دري؟!
الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب كان له الفضل في تحريك طلب الإحاطة الذي تقدمت به ضد مافيا العلاج علي نفقة الدولة، وطلب من وزارة الداخلية والرقابة الإدارية إجراء التحريات اللازمة لتبيان مدي صحة هذه الوقائع من عدمها وجاءت تحريات الرقابة الإدارية لتكشف عن تورط سبعة من النواب في هذه الجريمة وتؤكد وجود تجاوزات تصل إلي حد الجرائم، استخدمت فيها كل أساليب التحايل والتزوير للحصول علي ملايين الجنيهات دون وجه حق.
وليس غريبًا أن تقريرالجهاز المركزي أكد نفس ما قلته منذ عدة أشهر من أن هناك نوابًا قد أعادوا للمجالس الطبية المتخصصة قرارات علاج بعد كشف الفضيحة بلغت قيمتها نحو مليون ونصف المليون جنيه، وهي تخص علاج مواطنين صدرت في أعوام ٧٠٠٢. ٨٠٠٢، ٩٠٠٢ ولم تصل إلي أصحابها، ربما لأنهم رفضوا أن يدفعوا رشاوي في مقابل الحصول علي هذه القرارات، وربما لأنه لا وجود لهم من الأساس، لكن هذا الفعل يكشف عن فوضي في اصدار القرارات بالآلاف لعدد من النواب في الوقت الذي كان فيه المرضي من الفقراء يعانون لشهور طويلة ويشدون الرحال من أقاصي الوجه البحري والصعيد أملاً في الحصول علي قرار علاج لا تتجاوز قيمته المئات من الجنيهات.
عندما كشفنا الفضيحة راح خدم بعض هؤلاء النواب يشنون الحملات علينا ويقولون إننا تسببنا في وقف قرارات العلاج ونسي هؤلاء أن أسيادهم وأولياء نعمتهم استنزفوا مئات الملايين في عمليات وهمية وتربح حتي تركوا الخزينة خاوية بعد أن صرفت الدولة في عام واحد ما يقارب الأربعة مليارات جنيه في اصدار قرارات علاج علي نفقة الدولة استنزف الجزء الأكبر منها في العمليات الوهمية والمستشفيات الاستثمارية وعلاج علية القوم بالخارج دون ضوابط أو محاسبة.
إنني أعرف أن الدكتور فتحي سرور لن يرضي أن يلصق به اتهام أنه صمت ورفض عرض التقارير علي مجلس الشعب، كيف ذلك وهو الذي تحرك علي الفور منذ اللحظة الأولي ليدرأ عن المجلس هذا الاتهام؟! غير أن ما نراه ونسمعه هذه الأيام من أن هناك تحركات يقودها البعض للتستر علي الجريمة، وترك النواب المتورطين يفلتون بجريمتهم.
لقد رفض الرئيس مبارك منذ اللحظة الأولي الصمت علي هذه الجريمة وطالب بالكشف عن أبعادها، لكن من سعوا إلي اجهاض تصريحاته الخاصة بمراجعة الضريبة العقارية لمصلحة الشعب هم أنفسهم الذين يسعون الآن لإنهاء هذه القضية،. تحت زعم عدم الاساءة إلي نواب الحزب الوطني أو سمعة البرلمان!!
وينسي هؤلاء أن الجريمة قد وصلت إلي أسماع الناس، وأن تقارير رقابية خطيرة قد أعدت، وأن وثائق مهمة تم الحصول عليها وأن العار سوف يلحق بكافة أعضاء البرلمان وبالحزب والحكومة، ما لم يتم الكشف عن المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة من الكبير إلي الصغير، دون استثناء.
إن الحكومة ترفض حتي الآن تقديم التقارير إلي مجلس الشعب، بينما لم يبق سوي أسابيع قليلة علي ختام الدورة البرلمانية الأخيرة فهل ستمر الجريمة دون عقاب؟
إنني أناشد الرئيس مبارك أن يتدخل لاجبار الحكومة علي تقديم التقارير الرقابية إلي البرلمان، ومحاسبة المتورطين، فالرئيس لا يمكن أن يرضي أو يقبل بهذا الاهدار المتعمد لأموال هي من نصيب الفقراء لكنها ذهبت عن عمد لجيوب حفنة من الفاسدين والمفسدين.
إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يسقط حكومة، فهل سيجري التكتم عليه أيضًا أم سيأخذ طريقه للمناقشة أمام البرلمان؟!
لقد انتشر الفساد في مصر المحروسة ولم يستثن حتي الأموال المخصصة لعلاج الفقراء، لقد أكلوا أموال الغلابة وتركوا المرضي يهيمون علي وجوههم في الشوارع يدعون الله أن يخلصنا من هذا الكابوس الذي أصبح كالسرطان يسري في أنحاء الجسد، فأصاب المجتمع بأسره بمرض عضال لن يشفي منه إلا باجتثاث الفساد من الجذور!!
دعونا نرى ماجاء فى هذا المقال لمصطفى بكرى فى جريدة الاسبوع :
تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات يكشف تجاوزات خطيرة في قرارات العلاج علي نفقة الدولة - رئيس الوزراء في دائرة الاتهام
مصطفي بكري
كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات حول قرارات العلاج علي نفقة الدولة عن تجاوزات صارخة ارتكبها رئيس مجلس الوزراء، جنبًا إلي جنب مع عدد من أعضاء مجلسي الشعب والشوري حيث تعلقت هذه التجاوزات بإساءة استخدام هذه القرارات مما نجم عنه إهدار..
للمال العام وزيادة التكلفة الإجمالية المنصرفة والتي وصلت إلي نحو أربعة مليارات جنيه قيمة قرارات العلاج بالداخل وأكثر من ٠٢ مليون جنيه قيمة قرارات العلاج بالخارج في الفترة من ١/١/٩٠٠٢ حتي ١٣/٢١/٩٠٠٢.
وأكد التقرير أن رئيس مجلس الوزراء كان قد أصدر قرارات علاج علي نفقة الدولة في غير المجالات المخصصة لها حيث صدرت قرارات بمبالغ كبيرة لإجراء عمليات التجميل والعلاج الطبيعي بالحمام المائي وجلسات المساج والأوزون وتبييض الأسنان وزرع الشعر.
وأشار التقرير إلي أن مثل هذه القرارات صدرت لأشخاص بأعينهم - علي غير اللوائح والقوانين وهو أمر يمثل تجاوزًا خطيرًا ومحاباة للبعض علي حساب قرارات العلاج المخصصة لعلاج الفقراء من المواطنين.
وانتقد التقرير صدور قرارات جماعية لعلاج العاملين بمجلس الوزراء، بالرغم من وجود صندوق للخدمات الطبية بالمجلس، وهو أمر يمثل خصمًا من الاعتمادات المخصصة لعلاج المواطنين وصل جملة ما تم حصره منها حوالي أربعة ملايين جنيه.
وأشار التقرير إلي أن صرف هذه المبالغ تم بدون مطالبة أصحابها بتقديم المستندات المؤيدة للصرف، مما يطرح علامات استفهام كثيرة حول كيفية صرف هذه المبالغ التي تتم بقرارات مباشرة من رئيس مجلس الوزراء.
وشكك تقرير الجهاز المركزي في صرف بعض المبالغ المخصصة لعلاج حالات مرضية محددة صادر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء .. حيث أكد انه يتم استخدام جانب كبير من قرارات العلاج لبعض الحالات المرضية بالمستشفيات الاستثمارية والخاصة وبنسبة تصل إلي ٧٩٪ في بعض الحالات في صرف أدوية فقط، مما ينتفي معه الغرض من صدور قرارات العلاج علي هذه المستشفيات.
وأكد التقرير قيام الجهات المعنية بصرف المبالغ الواردة ببعض قرارات العلاج الصادرة من رئيس الوزراء بشيك باسم المريض الصادر بشأنه قرار العلاج بعد تقديم فواتير شراء أذون من الصيدليات الخاصة، مما ترتب عليه عدم إحكام الرقابة علي تنفيذ تلك القرارات.
وانتقد التقرير صدور قرارات علاج بالداخل علي بعض المستشفيات الاستثمارية والخاصة بتكاليف علاج عالية القيمة، وذلك علي الرغم من توافر تلك الخدمات الصحية المقدمة لهم بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة بتكاليف أقل، وهو الأمر الذي أدي إلي تحميل موازنة الدولة فروق أسعار كان من الممكن تجنبها!!
وأشار التقرير إلي وجود تجاوزات خطيرة فيما يتعلق بتعديل جهة العلاج بالداخل والصادرة لمستشفيات حكومية وجامعية إلي مستشفيات استثمارية وخاصة دون الحصول علي موافقة رئيس مجلس الوزراء حيث يتم التعديل من هيئة المستشارين بمجلس الوزراء مع عدم إرفاق أية موافقات من رئيس مجلس الوزراء علي هذا التعديل.
وأشار التقرير في هذا الصدد إلي عدم إعداد أية بيانات أو دراسات قبل إصدار قرارات العلاج علي نفقة الدولة، الأمر الذي أدي إلي زيادة نفقات العلاج بنسب وصلت في بعض الأحيان إلي ٠٠١٪ من قيمة القرار الأصلي.
وأكد التقرير أن التكلفة الإجمالية للمبالغ المنصرفة علي قرارات العلاج علي نفقة الدولة بالخارج خلال المدة من ١/٧/٧٠٠٢ إلي ٥١/٢/٠١٠٢ بلغت أكثر من ٠٦ مليون جنيه منها أكثر من ٧٤ مليون جنيه تخص قرارات علاج بالخارج صادرة من رئيس مجلس الوزراء ونحو ٣١ مليون جنيه تخص وزير الصحة.
وقال التقرير إنه ثبت بالمستندات وجود مغالاة في تكاليف السفر بالدرجة الأولي بالطائرة لبعض الصادر لهم قرارات علاج بالخارج مقارنة بذات الدرجة وذات خط السير، ومعاملة بعض المرضي معاملة الوزراء من حيث السفر بالدرجة الأولي وتحميل الموازنة قيمة بدل السفر وتذاكر الطيران بخلاف المعتمد بقرار العلاج دون الوقوف علي اسباب ذلك.
وانتقد التقرير عدم عرض مستندات العلاج بالخارج الواردة من المكاتب الطبية بالخارج علي أي لجان طبية بالداخل وذلك لإمكانية التحقق من مدي ارتباطها بالمرض الصادر بشأنه قرار العلاج.
وأشار التقرير إلي عدم ورود المستندات المؤيدة لصرف مبالغ وصلت إلي نحو اكثر من 10ملايين جنيه من المكاتب الطبية بالخارج.
أما بالنسبة لتجاوزات بعض اعضاء مجلسي الشعب والشوري فقد اشار التقرير إلي عدم الالتزام بالضوابط والإجراءات الخاصة بصدور قرارات العلاج علي نفقة الدولة لصدورها بدون تقارير طبية ثلاثية لعدم اشتمال بعض الملفات الطبية علي تقارير اللجان الثلاث التي تصدر من جهات العلاج التي تقوم بتشخيص الحالة المرضية.
وأكد التقرير عدم الالتزام بالقيمة المحددة لتكاليف العلاج، وذلك لتجاوز قيمته الواجبة والمحاسبة عليها في بعض الحالات بفئات مغالي فيها مما ترتب عليه تحميل بند علاج المواطنين بأعباء مالية دون مقتضي.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج عبر بعض النواب بتكاليف متباينة نظرا لاختلاف جهات العلاج الحكومية والخاصة علي الرغم من تشابه تشخيص الحالات المرضية الصادرة في شأنها تلك القرارات الأمر الذي يشير إلي عدم الالتزام بضوابط تلك القرارات.
وأشار تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات إلي قيام المجالس الطبية المتخصصة بإصدار العديد من قرارات العلاج التي تتم لمعالجة أمراض العيون مثل زرع العدسات وترقيع القرنية وإصلاح الحول وذلك بالمراكز الطبية بالمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة وبتكاليف أقل، مما أدي إلي تحميل موازنة الصحة مبالغ دون مقتضي.
وأكد التقرير قيام المجالس الطبية المتخصصة بالموافقة علي طلبات تعديل جهات العلاج لقرارات العلاج السابق صدورها بمستشفيات ومعاهد حكومية التي تتم المحاسبة فيها طبقًا لأسعار بروتوكول المجالس الطبية إلي مستشفيات خاصة دون بيان أسباب ومبررات التعديل، الأمر الذي أسهم في زيادة تكاليف العلاج بالداخل.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج علي نفقة الدولة لتصحيح الإبصار 'بالليزك' والتي لم ترد ضمن بنود البروتوكول الخاص بالمجالس الطبية المتخصصة بتكلفة تتراوح بين ثلاثة آلاف جنيه واثني عشر ألف جنيه للحالة الواحدة مما أدي إلي تحمل بند العلاج علي نفقة الدولة بأعباء مالية دون مبرر.
وأكد التقرير قيام المجالس الطبية المتخصصة خلال شهر فبراير 2010 بإلغاء العديد من قرارات العلاج بلغ ما أمكن حصره منها مبلغ 1738102 جنيه ويرجع تاريخ صدور تلك القرارات إلي أعوام 2007 ، 2008 ، 2009 دون الوقوف علي أسباب ذلك في هذا التوقيت، ودون بيان أسباب عدم استفادة المرضي الصادرة لهم تلك القرارات من الخدمة الطبية.
وأشار التقرير إلي صدور قرارات علاج علي نفقة الدولة لبعض الشركات الخاصة لتركيب سماعات أذن ومستلزمات صوتية علي الرغم من توافر تلك الخدمات بمعهد السمع والكلام التابع للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية.
وأكد التقرير قيام الوزارة بصرف قيمة قرار العلاج بشيك مسحوب باسم الحالة المرضية بعد تقديم فواتير شراء الأدوية الأمر الذي ترتب عليه عدم إحكام الرقابة علي تنفيذ تلك القرارات.
وأشار التقرير إلي التفاوت في قيمة قرارات العلاج الصادرة لشراء أجهزة تعويضية علي الرغم من تماثلها نظرًا لاختلاف جهات العلاج الصادرة بشأنها تلك القرارات دون بيان أسباب ذلك.
وأكد التقرير قيام جهات العلاج الحكومية بمحاسبة مرضي العلاج علي نفقة الدولة بقيمة الدواء مسعرًا بسعر البيع وليس بسعر الشراء تطبيقًا لقرار السيد الدكتور وزير الصحة رقم 267 لسنة 2004 وتخصيص نسبة 7٪ من سعر البيع خصمًا من الفرق المحقق بين سعري الشراء والبيع للدواء تصرف كجهود غير عادية للعاملين في مجال العلاج علي نفقة الدولة بالمخالفة لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 87 لسنة 2005 الذي يقضي بأنه 'لا يجوز تخصيص مورد معين لمواجهة مصروف محدد إلا في الأحوال الضرورية التي تستلزم إصدار قرار جمهوري' كما أن محاسبة المريض علي هذا الأساس تؤدي إلي سرعة استنفاد مبلغ العلاج المخصص له.
وأشار التقرير إلي قيام المجالس الطبية المتخصصة بإصدار قرارات علاج بناء علي تأشيرات أحد مسئولي المجالس بمبالغ اجمالية قدرها ٥٠٤،١٩٠،١ جنيهات خلال أربعة أشهر فقط من 2009/9/1 إلي 2009/12/31 فضلا عن حصول صاحب هذه التأشيرات علي عدة قرارات علاج علي نفقة الدولة لعلاجه بالمراكز والمستشفيات الخاصة بلغت قيمتها 42000 جنيه دون وجه حق لتمتعه بمظلة علاجية بالإضافة إلي عدم وجود الملفات الخاصة بتلك القرارات بأرشيف الوزارة أثناء الفحص.
فاسدون فوق القانون
يكشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن وقائع خطيرة تستحق المحاسبة والعقاب، وهذه الوقائع التي تضمنها هذا التقرير الهام لم تأت علي لسان صحفي أو نائب أو مسئول معارض، بل جاءت علي لسان لجنة تم تشكيلها من الجهاز المركزي للمحاسبات في أعقاب الكشف عن فضيحة قرارات العلاج علي نفقة الدولة.
وقد أشار هذا التقرير بشكل واضح إلي قرارات صادرة عن رئيس مجلس الوزراء لإجراء عمليات تجميل وعلاج طبيعي مائي وتبييض أسنان وزرع شعر وتخسيس، وكلها أمور لا يتضمنها بروتوكول العلاج علي نفقة الدولة.. نريد أن نعرف من هم هؤلاء المحظوظون الذين وظفوا قرارات العلاج المخصصة لعلاج المرضي من الفقراء لصالح رفاهيتهم، وكيف يوافق رئيس الوزراء علي اصدار قرارات مخالفة للوائح والقوانين؟
ويكشف التقرير عن فوضي صارخة في الحساب والمحاسبة، قرارات تصدر بالملايين دون فواتير تقدم أو معرفة لنواحي الصرف، وكأن المال العام أصبح مالاً خاصًا يتصرفون فيه كيفما يشاءون ودون رقيب أو مراقبة!!
وإذا ما انتقلنا إلي تجاوزات عدد من نواب مجلسي الشعب والشوري فإن الأمر لا يخلو من الدهشة والاستفزاز، فالوقائع صارخة وكارثية، وقد وضع الجهاز المركزي يده علي كمية كبيرة من المستندات التي تحيل أصحابها إلي المحاكمة الجنائية فورًا.
إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا أنتم فاعلون؟ وإلي متي الصمت علي هذه الوقائع؟ وهل سيشهد مجلس الشعب مناقشة لتقرير الجهاز المركزي وتقريري الرقابة الإدارية والأموال العامة، أم أن الأمر سيجري التكتم عليه حتي تنتهي الدورة البرلمانية الأخيرة ولا من شاف ولا من دري؟!
الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب كان له الفضل في تحريك طلب الإحاطة الذي تقدمت به ضد مافيا العلاج علي نفقة الدولة، وطلب من وزارة الداخلية والرقابة الإدارية إجراء التحريات اللازمة لتبيان مدي صحة هذه الوقائع من عدمها وجاءت تحريات الرقابة الإدارية لتكشف عن تورط سبعة من النواب في هذه الجريمة وتؤكد وجود تجاوزات تصل إلي حد الجرائم، استخدمت فيها كل أساليب التحايل والتزوير للحصول علي ملايين الجنيهات دون وجه حق.
وليس غريبًا أن تقريرالجهاز المركزي أكد نفس ما قلته منذ عدة أشهر من أن هناك نوابًا قد أعادوا للمجالس الطبية المتخصصة قرارات علاج بعد كشف الفضيحة بلغت قيمتها نحو مليون ونصف المليون جنيه، وهي تخص علاج مواطنين صدرت في أعوام ٧٠٠٢. ٨٠٠٢، ٩٠٠٢ ولم تصل إلي أصحابها، ربما لأنهم رفضوا أن يدفعوا رشاوي في مقابل الحصول علي هذه القرارات، وربما لأنه لا وجود لهم من الأساس، لكن هذا الفعل يكشف عن فوضي في اصدار القرارات بالآلاف لعدد من النواب في الوقت الذي كان فيه المرضي من الفقراء يعانون لشهور طويلة ويشدون الرحال من أقاصي الوجه البحري والصعيد أملاً في الحصول علي قرار علاج لا تتجاوز قيمته المئات من الجنيهات.
عندما كشفنا الفضيحة راح خدم بعض هؤلاء النواب يشنون الحملات علينا ويقولون إننا تسببنا في وقف قرارات العلاج ونسي هؤلاء أن أسيادهم وأولياء نعمتهم استنزفوا مئات الملايين في عمليات وهمية وتربح حتي تركوا الخزينة خاوية بعد أن صرفت الدولة في عام واحد ما يقارب الأربعة مليارات جنيه في اصدار قرارات علاج علي نفقة الدولة استنزف الجزء الأكبر منها في العمليات الوهمية والمستشفيات الاستثمارية وعلاج علية القوم بالخارج دون ضوابط أو محاسبة.
إنني أعرف أن الدكتور فتحي سرور لن يرضي أن يلصق به اتهام أنه صمت ورفض عرض التقارير علي مجلس الشعب، كيف ذلك وهو الذي تحرك علي الفور منذ اللحظة الأولي ليدرأ عن المجلس هذا الاتهام؟! غير أن ما نراه ونسمعه هذه الأيام من أن هناك تحركات يقودها البعض للتستر علي الجريمة، وترك النواب المتورطين يفلتون بجريمتهم.
لقد رفض الرئيس مبارك منذ اللحظة الأولي الصمت علي هذه الجريمة وطالب بالكشف عن أبعادها، لكن من سعوا إلي اجهاض تصريحاته الخاصة بمراجعة الضريبة العقارية لمصلحة الشعب هم أنفسهم الذين يسعون الآن لإنهاء هذه القضية،. تحت زعم عدم الاساءة إلي نواب الحزب الوطني أو سمعة البرلمان!!
وينسي هؤلاء أن الجريمة قد وصلت إلي أسماع الناس، وأن تقارير رقابية خطيرة قد أعدت، وأن وثائق مهمة تم الحصول عليها وأن العار سوف يلحق بكافة أعضاء البرلمان وبالحزب والحكومة، ما لم يتم الكشف عن المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة من الكبير إلي الصغير، دون استثناء.
إن الحكومة ترفض حتي الآن تقديم التقارير إلي مجلس الشعب، بينما لم يبق سوي أسابيع قليلة علي ختام الدورة البرلمانية الأخيرة فهل ستمر الجريمة دون عقاب؟
إنني أناشد الرئيس مبارك أن يتدخل لاجبار الحكومة علي تقديم التقارير الرقابية إلي البرلمان، ومحاسبة المتورطين، فالرئيس لا يمكن أن يرضي أو يقبل بهذا الاهدار المتعمد لأموال هي من نصيب الفقراء لكنها ذهبت عن عمد لجيوب حفنة من الفاسدين والمفسدين.
إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يسقط حكومة، فهل سيجري التكتم عليه أيضًا أم سيأخذ طريقه للمناقشة أمام البرلمان؟!
لقد انتشر الفساد في مصر المحروسة ولم يستثن حتي الأموال المخصصة لعلاج الفقراء، لقد أكلوا أموال الغلابة وتركوا المرضي يهيمون علي وجوههم في الشوارع يدعون الله أن يخلصنا من هذا الكابوس الذي أصبح كالسرطان يسري في أنحاء الجسد، فأصاب المجتمع بأسره بمرض عضال لن يشفي منه إلا باجتثاث الفساد من الجذور!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق