التعليم فى مصر وصل إلى حالة من التدهور لم يشهدها وطننا على مدى تاريخه .. وبالطبع هذا يتناغم ويتفق مع السياق العام لحالة التردي في كل مناحي حياتنا
عندما يتغير الوزير ويأتي وزير جديد في أي وزارة يتفاءل الجميع خيرا وينتظرون التغيير والإصلاح وخاصة في وزارة كوزارة التعليم المسئولة عن مستقبل مصر المتمثل في أجيالها الجديدة
وزير التعليم الدكتور احمد زكى بدر رجل أكاديمي متخصص في الحاسب الآلي وتولى العديد من المناصب الأكاديمية .. أي انه معلم في المقام الأول وكان ينبغي وهو يتفحص المشاكل المزمنة لهذه الوزارة أن يولى اهتمامه لمشاكل المعلم الذي هو عماد العملية التعليمية برمتها .. ولكن الشواهد توحي بخيبة الأمل عندما نراقب مواجهات سيادة الوزير لمشاكل التعليم منذ توليه المسئولية .. كان أول تصريح لسيادة الوزير هو انه سيعكف على مراجعة جميع ملفات وقضايا التعليم المتعلقة بعمل الوزارة وعلى رأسها "الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم قبل الجامعى " و "مشروع الثانوية الجديدة" و "التقويم الشامل" و "كادر المعلمين والإداريين" و "تطوير التعليم الفني" و "بناء المدارس وفق البرنامج الإنتخابي للرئيس" و "التقدم بملفات المؤسسات التعليمية لهيئة ضمان جودة التعليم"
هناك ملاحظة هامة على هذه التصريحات وتصريحات الوزير التالية وهى تجنبه بقدر المستطاع الحديث عن موضوع الدروس الخصوصية وكأنها أصبحت جزء من العملية التعليمية وواقع لا يجوز التعرض له
سيادة الوزير بعد توليه الوزارة بحوالي ثلاثة أشهر قام بزيارته الشهيرة لمدرسة الخلفاء الراشدين بحدائق حلوان وكان ما كان وما يعلمه الجميع من أمر هذه الزيارة ولكن ما أود التنويه له هنا أن ثورة الوزير في هذه الزيارة انصبت على عدم تواجد المدرسين في المدرسة أو تأخرهم عن الحضور وكأن هذه احد مشاكل التعليم في مصر وتستحق كل ما حدث من الوزير لكي نعمل على حلها .. لم يكلف الوزير نفسه عناء البحث عن السبب وراء عدم تواجد المدرسين بل والطلبة أيضا في المدارس .. لماذا لم يبحث الوزير ذلك ؟ .. لأنه يعلم السبب كما يعلمه الجميع .. ببساطة لا يوجد وقت لدى المدرسين ولا الطلبة للذهاب إلى المدارس .. الجميع مشغول في الدروس الخصوصية .. وبدلا من بحث احد المشاكل الرئيسة لتدهور التعليم في مصر تفرغ الوزير للعلاج الأمني بالخصم والنقل وخلافه لإجبار المدرسين على الحضور .. والإنذار بالفصل لإجبار الطلبة على الحضور .. وبدلا من حل المشكلة الرئيسية المستعصية على الحل يأتي الحل الوزاري ليعقد المشكلة أكثر فلا المدرس يستطيع الاستغناء عن الدروس الخصوصية وما تدره عليه من دخل لن تستطيع الوزارة توفيره له ولو اخترعت ألف كادر .. ولديه استعداد لو ضيق الوزير عليه في هذه المطاردات البوليسية الغير مجدية .. لديه استعداد للاستقالة والتفرغ للدروس الخصوصية .. أيضا الطالب لا يستطيع التخلي عن الدروس الخصوصية مهما كانت قدراته وثقته في نفسه لأنها أصبحت ثقافة عامة ولا يوجد من الطلبة من يجرؤ على القول انه يستطيع الاستغناء عنها حتى لو كان قادر على ذلك فعلا
هكذا نرى كيف يتصرف حملة مسئولية هذا الوطن .. هكذا يتدهور التعليم فتفقد بلادنا مكانتها على كل المستويات .. هكذا يتحول التعليم إلى سلعة يعرضها عدد من الباعة الجائلين وجودة هذه السلعة تكمن في قدرتها على العبور بمن يشتريها بوابة الامتحان .. وبمجرد عبور البوابة يلقى بهذه السلعة في اقرب صندوق قمامة .. ويضيع العلم وتضيع مصر .. هذا هو المرض الذي يجب علاجه يا سيادة الوزير .. أما إذا كنت ترى أن حل مشكلة التعليم في مصر يبدأ بدفتر الحضور والانصراف فعلى العلم السلام



